فصل: تفسير الآيات (7- 16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التفسير القرآني للقرآن



.تفسير الآيات (7- 16):

{وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (13) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (16)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً}.
بعد أن فضحت الآيات السابقة مقولة المشركين في القرآن الكريم، بأنه إفك مفترى، وأنه أساطير الأولين، اكتتبها محمد، فهى تملى عليه بكرة وأصيلا- بعد أن فضحت الآيات السابقة تلك المقولة الظالمة عن المشركين في القرآن الكريم، وردّ اللّه سبحانه وتعالى كذبهم وافتراءهم بقوله: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً} جاءت هذه الآيات لتفضح مقولتهم في النبيّ نفسه.. فإن لهم فيه مقولات، كتلك المقولات التي يقولونها في كلمات اللّه التي حملها إليهم.
ومن مقولاتهم في الرسول قولهم الذي حكاه القرآن عنهم:
{ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ}.
فهم ينكرون أن يكون هذا الإنسان رسولا، ثم يأكل الطعام كما يأكلون، ويمشى في الأسواق، ليبيع أو يشترى، كما يمشون ويبيعون ويشترون! وفي حديثهم عن محمد بأنه رسول، استهزاء، وسخرية، وإنكار.. إذ كيف يكون رسولا ثم يكون بشرا تحكمه الضرورات البشرية، من طعام وشراب، وغيرهما؟ هكذا يجرى تفكيرهم وتقديرهم.
وفي قولهم: {لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً} تسليم جدلىّ منهم، بأن يكون الرسول بشرا، ولكن لا يعترف به رسولا، إلا أن يكون معه ملك هو الذي يأخذ منه الناس شاهدا على أن محمدا رسول اللّه، وأن هذه الكلمات التي ينذرهم بها هي كلمات اللّه!! ولم يسأل هؤلاء الضالين أنفسهم ما جدوى الرسول إذن، مع هذا الملك المنزل من السماء بكلمات اللّه؟ ولم لا يتصل بهم الملك اتصالا مباشرا إن كان ذلك ممكنا؟ ومع أىّ من المرسلين يتعاملون؟ أمع البشر، أم الملك؟.
ثم، من يرى ملكا ويتعامل مع بشر؟.
قوله تعالى: {أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً}.
ثم ها هم أولاء يسلّمون جدلا، أن يكون محمد رسولا، يأكل الطعام ويمشى في الأسواق.. ولكن كيف يكون على هذه الحال، من الضيق في العيش، وهو على صلة باللّه، الذي يفيض الخير على الناس ويملأ أيديهم من النعم؟ ألا يلقى إليه ربّه كنزا من السماء، ينفق منه عن سعة، وينال به كلّ ما شاء من متع الحياة؟ أولا يجعل له ربّه جنة يأكل منها، ويعيش في خيرها، كتلك الجنات التي يملكها أصحاب الجاه والنعمة فيهم؟
إن الذين يتصلون بالملوك، والأمراء، وأصحاب الجاه والغنى، يعيشون في نعمة ورخاء.. فكيف تكون تلك الحال من الفقر والضيق، لمن يدّعى أنه على صلة باللّه، وأنه رسول اللّه؟- هكذا يقيس القوم أقدار الناس ومنازلهم عند اللّه! فعلى قدر ما وسع اللّه لإنسان في الرزق، يكون- في تقديرهم- على قدر حبّه له، ومنزلته عنده! إن مقاييس الناس عندهم بما ملكوا من مال، وما جمعوا من حطام.. ولم يدخل في حسابهم شيء من كمالات النفس، وسمّو الروح.. وحسبوا أن هذه الحياة الدنيا هي كلّ ما للإنسان، فإذا انتهت حياته بموته انتهى كلّ شيء بالنسبة له..! ومن هنا كان حسابهم قائما على ميزان فاسد، لا يقام لشيء وزن فيه، إلا إذا كان فاسدا معطوبا.
ثم يدور هذا الحديث في القوم، ويتعاطونه فيما بينهم كما يتعاطون كئوس الخمر.. ثم يكون حصيلة هذا كله، أن يقولوا: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً}! أي ما تتبعون إن اتبعتم إلا إنسانا سحر، فاختلط عقله، واضطرب تفكيره.
وفي قوله: {وَقالَ الظَّالِمُونَ} بدلا من قوله {وقالوا} إظهارا للصفة التي يدمغهم بها اللّه سبحانه وتعالى، في مقابل تلك المقولات المنكرة، الضالة، التي يقولونها في النبيّ. إنّهم ظالمون، جائرون عن الطريق المستقيم، راكبون طرق الضلال، والهلاك.
قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا}.
التفات إلى النبي الكريم بهذا الخطاب من ربّه جلّ وعلا، يدعوه إلى أن ينظر في هذه المقولات التي يقولونها فيه، وليعجب من تلك العقول الفارغة التي لا يخرج منها غير هذا اللّغو من القول؟ إنهم أعجوبة، تثير الدهش والعجب، وتبعث على السخرية والاستهزاء! والأمثال التي ضربوها، هي تلك الصور التي صورتها عقولهم الفارغة لمن يرون أن يكون أهلا لرسالة السماء.
وفي قوله تعالى: {فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} إشارة إلى أن ضلالهم كان ضلالا بعيدا، مستوليا على وجودهم كله.. ومن هنا، فإنهم لا يقدرون- ولو حاولوا- على أن يجدوا سبيلا للخلاص من هذا الضلال، الذي غرقوا في لججه المتلاطمة! قوله تعالى: {تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً}.
أي تبارك ربّك، وكثرت خيراته وبركاته.. وإنه ليس بالذي يمسك عنك هذا المتاع الدنيوي، الذي يقتتل عليه هؤلاء المشركون، ويأبون متابعتك إلا إذا كنت على تلك الصورة التي تمثلوها لمبعوث السماء إليهم، من وفرة الغنى وكثرة الأموال والزروع.. فلو شاء ربك لجعل لك بدل الجنة جنات، وبدل القصر قصورا.. ولكنه سبحانه ضنّ بك على هذه الدنيا أن تشغل قلبك، عن ذكره، أو تحجز عينك عن النظر في غير آياته..!
قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً}.
إن هؤلاء القوم، لا يرضون عن هذا القول، ولا يجدون فيه ما يعتدل به ميزانك عندهم.. لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، ولا يرجون وراء هذه الدنيا حياة أخرى.. ولو أنهم آمنوا بالحياة الآخرة، لعلموا أنها هي الحياة، وأن نعيمها هو النعيم، وأن شقاءها هو الشقاء.
وأن ما في هذه الدنيا من متاع وشقاء، إلى زوال: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} [64: العنكبوت].
وفي قوله تعالى: {وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً} وعيد لهؤلاء المشركين بالعذاب الأليم الذي أعده اللّه للظالمين في الآخرة.. وإنهم لمن الظالمين.
قوله تعالى: {إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً}.
فهذه جهنم- وهذه أهوالها- إنها إذا رأت أهلها المساقين إليها، وهم على بعد منها، {سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} إنها ترسل إليهم بنذرها قبل أن يصلوا إليها، حتى لكأن بينها وبينهم ترة وثأرا.. فما أن تلمحهم من بعيد، حتى يفور فائرها، ويموج مائجها.. حتى إذا بلغوها، وألقوا منها في مكان ضيق خانق، أطبقت عليهم، فضاقت أنفسهم، واختنقت أنفاسهم، وتنادوا بالويل والثبور.. فقالوا: يا ويلنا، يا ضيعتنا، يا سوء مصيرنا.. ثم لا يجدون لهذا الاستصراخ من يسمع أو يجيب، وصوت الحال يقول لهم: {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} إن صراخكم سيطول، وإن عويلكم لا ينتهى.. ولن ينفعكم صراخ أو عويل!- وقوله تعالى: {مُقَرَّنِينَ} إشارة إلى ما يؤخذ به الظالمون من إذلال وهوان، وأنهم إذ يساقون إلى جهنم، وإذ يلقون فيها، فإنما يحزمون كحزم الحطب، ويقرن بعضهم إلى بعض كما يقرن القطيع من الحيوان.
قوله تعالى: {قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا}.
أفهذا العذاب الأليم والهوان المهين الذي ستجدونه يوم القيامة أيها الضالون المكذبون، أم جنة الخلد التي وعدها اللّه المتقين من عباده؟. فذلك هو جزاؤهم، وهذا هو مصيرهم، إنها جنة الخلد، أعدها اللّه سبحانه وتعالى لعباده المتقين، وأعد لهم فيها ما يشاءون من نعيم خالد، لا ينفد- أفذلك الذي أنتم فيه أيها الضالون، خير، أم هذا النعيم المقيم؟ ألا فذوقوا هذا العذاب، وانعموا به، واسكنوا إليه، كما كنتم تحيون مع آلهتكم وتسكنون إليهم!- وفي قوله تعالى: {كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا} إشارة إلى أن هذا النعيم الذي وعده اللّه عباده المؤمنين المتقين، هو وعد أوجب اللّه سبحانه وتعالى على نفسه- فضلا منه وإحسانا وكرما- تحقيقه لمن وعدوا به، وإن لهم على اللّه- فضلا وإحسانا وكرما- أن يسألوه إنجاز هذا الوعد، الذي هو منجز ومعدّ لهم من غير سؤال.. ولكن اللّه سبحانه، قد جعل هذا الوعد كدين لعباده المتقين وجعل لهم حق استقضاء هذا الدين! وفي هذا ما فيه من كرم الكريم، وإحسان المحسن.
ويجوز أن يكون معنى قوله تعالى: {كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا} أن هذا الوعد كان مما يدعو به المؤمنون ربّهم في الدنيا، ويطلبون استجابته لهم، كما يقول اللّه سبحانه وتعالى على لسانهم: {رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ}، وقد تلقى اللّه سبحانه وتعالى دعاءهم هذا بالقبول، فقال سبحانه: {فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى} [195: آل عمران].
فلما كان يوم القيامة، صدقهم اللّه وعده، وأنزلهم منازل رحمته ورضوانه.

.تفسير الآيات (17- 20):

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (19) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ}.
هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة، يعرض على هؤلاء المشركين، وهم في هذه الدنيا، مع ضلالاتهم ومعبوداتهم.. وفي هذا المشهد يرون ما سيكون بينهم وبين هذه المعبودات، من عداوة وخصام، وشقاق.
فإذا حشر الناس إلى ربهم، ووقفوا موقف الحساب والمساءلة، جيء بالمشركين، وبمعبوداتهم التي كانوا يعبدونها من دون اللّه.. من جماد، وحيوان، وإنسان، وملائكة، وجنّ.. وهنا يسأل الحقّ جل وعلا أولئك المعبودين:
{أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ}.
أي أأنتم أيها المعبودون، الذين أضللتم عبادى هؤلاء؟ أم هم ضلوا السبيل؟.
وانظر إلى- ما للّه سبحانه وتعالى من لطف وكرم.. كيف يدعو هؤلاء الضالين إليه، وكيف يضيفهم إلى ذاته الكريمة: {عِبادِي هؤُلاءِ} الذين أشركوا بي، وكذّبوا رسلى!! فما أقلّ حياء هؤلاء الضالين، الشاردين عن ربّهم.. يدعوهم إليه، ثم هم لا يستجيبون له، ويأبون إلا أن يولّوا وجوههم إلى غيره! ويجيء جواب المعبودين.
{قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً}.
إن هؤلاء المعبودين للمشركين.. من جماد، وحيوان، وإنسان، وملائكة، يعرفون قدر اللّه، ويعطونه ولاءهم كاملا.. {سبحانك} أي جلّ جلالك، وعلا علاك، {ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ} أي أنه ما كان يصح لنا، أو يقع في تقديرنا، أن نستنصر بغيرك، ونعتز بغير عزتك، ونقبل ولاء من عبادك، الذين ينبغى أن يكون ولاؤهم لك وحدك.
وفي قوله تعالى: {وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً}.
إشارة إلى الجهة التي جاء منها الضلال إلى هؤلاء الضالين.. إنه البطر بنعم اللّه، والكفر بإحسانه وفضله عليهم.. {وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ} أي أن إحسانك إليهم، ربّنا، ومدّهم بالنعم، وحلمك عليهم، فلم تعجل لهم العقاب في الدنيا، مع محادتهم لك، وشركهم بك- إن ذلك هو الذي صار بهم إلى هذا المصير، وإنهم حين رأوا آباءهم قد سلكوا هذا المسلك من قبلهم، ولم يحل عليهم غضبك ولم تنزل بهم نقمتك، اطمأنوا إلى هذا الضلال، وتمادوا في هذا الغىّ.. وهكذا أهل السوء، تبطرهم النّعم، ويفسدهم الإحسان.
وفي هذا يقول اللّه تعالى: {بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} [44: الأنبياء].
وهذا العرض الكاشف، الذي يعرض فيه المعبودون، نعم اللّه وإحسانه على هؤلاء الضالين، وما ركبهم من هذه النعم وذلك الإحسان، من سفه، وغواية- هو زجر، وتعنيف، وتقريع لهؤلاء المشركين الذين يقفون هذا الموقف، وأنهم ليسوا موضعا لهذا الإحسان، ولا أهلا لهذا الفضل.. وإن هذا العذاب الذي ينتظرهم، لهو الجزاء العادل الذي يؤخذون به.
وفي قوله تعالى: {حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ}.
إشارة إلى أن تطاول العهد عليهم بالعافية، من غير أن تحل بهم النقم، أو يشتمل عليهم البلاء- قد أنساهم ذكر اللّه، وأبعدهم عن مواطن اللجأ إليه.. فإن المحن والشدائد، هي التي تشدّ المرء إلى اللّه، فيكثر من ذكره، والغياث به.. واللّه سبحانه وتعالى يقول:
{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [63: الأنعام] ويقول سبحانه {وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ} [51: فصلت].
وإنه لمن الإيمان أن يذكر الإنسان ربّه في الضراء، وأن يدعوه لما نزل به من مكروه، إذ هو سبحانه وحده غياث المستغيثين، وحمى اللاجئين، وقد أمرنا سبحانه وتعالى أن ندعوه، ووعدنا الإجابة لما ندعوه به، فقال سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [60: غافر] وقال جلّ شأنه:
{وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ} [186: البقرة].. ولكن الذي ليس من الإيمان في شيء، بل هو من المكر باللّه، وآيات اللّه، أن يذكر الإنسان ربه في الشدّة، وينكره في الرخاء والعافية إن ذلك إيمان كإيمان فرعون حين أدركه الغرق، فقال وقد ضاقت به سبل النجاة: {آمنت}! إن المؤمن حقّا هو الذي يملأ قلبه أبدا بذكر اللّه، في السرّاء والضرّاء على السواء.. فهو في السرّاء يذكر اللّه شاكرا نعمه، مسبحا بحمده، طالبا المزيد من فضله.. وهو في الضراء يذكر اللّه، طالبا كشف الضرّ، ورفع البلاء.. وهذا ما أشار إليه الرسول الكريم في قوله، حين خيره ربه، بين أن يكون ملكا نبيا، أم عبدا رسولا، فاختار أن يكون عبدا، وقال: «بل أكون عبدا أشبع يوما فأشكرك، وأجوع يوما فأذكرك» بل إن حقيقة الإيمان لا تنكشف إلا في مواقع النعم، وفي مواطن الإحسان، ولهذا مدح اللّه سبحانه وتعالى الشاكرين من عباده، ونوّه بهم، كما قال سبحانه في نوح: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً} [3: الإسراء].
كما حثّ سبحانه عباده الذين أجزل لهم العطاء، وأغدق عليهم الإحسان، أن يشكروا له، فقال لداود وآله: {اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} [13: سبأ].
أما ذكر اللّه في ساعة العسرة والضيق، فإنه أمر يكاد يستوى فيه الناس جميعا، المؤمنون والمشركون.. كما يقول سبحانه: {وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ} [12: يونس] فالإنسان هنا هو مطلق الإنسان، والحكم واقع على الأعمّ الأغلب من الناس.
وفي قوله تعالى: {وَكانُوا قَوْماً بُوراً} إشارة إلى هؤلاء المشركين باللّه، وإلى أن شركهم هذا قد حرمهم كل خير، فكانوا بهذا {قوما بورا} أي هلكى، لا سبيل لهم إلى النجاة من هذا المصير المشئوم الذي هم صائرون إليه.
وقوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً} في هذا، التفات إلى هؤلاء المشركين، الذين يقولون في كلام اللّه، وفي رسول اللّه هذا القول المنكر، الذي لا يزال على ألسنتهم، ولا تزال أصداؤه تطنّ في آذانهم.
فقد سمعوا شهادة آلهتهم فيهم، وبراءتهم منهم، بل وقرعهم بمقارع التعنيف والتسفيه، وأنهم ليسوا أهلا لما ألبسهم اللّه من نعم، وما دفع عنهم من نقم.
ومن إعجاز القرآن الكريم هنا، أنه- بكلماته المعجزة- ينقل الناس من الدنيا إلى الآخرة، ثم يردّهم إلى الدنيا مرة أخرى، في لحظات عابرة، يرتفع فيها هذا الحجاز بين الحياة والموت، وبين الدنيا والآخرة، وإذا هؤلاء المشركون ينتقلون من ناديهم الذي يتفكهون فيه بهذه الكلمات الساخرة الهازئة، بآيات اللّه وكلمات اللّه- ينتقلون من ناديهم هذا إلى الآخرة، وإلى موقف الحساب والجزاء، وإلى جهنم وسعيرها.. ثم إذا هم- في حلم كأحلام اليقظة- قائمون في ناديهم، وقد دخلت عليهم مشاعر كئيبة ثقيلة خانقة، من هذه الرحلة القصيرة، وإذا هم في وجوم ورهق، كمن أفاق من حلم مزعج، ثم إذا هم وقد صكّت آذانهم بهذا القول الذي يطلع عليهم من حيث لا يعلمون:
{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ}! ويصحو القوم من وجومهم هذا، ويدورون بأعينهم هنا وهناك، باحثين عن هؤلاء الذين كذبوهم بما يقولون.. فيذكرون هذا الحلم المخيف، ويتذكرون هذا الموقف الذي كان بينهم وبين معبوداتهم، وتكذيبهم لهم.. ثم ما يكادون يصلون ما انقطع من حياتهم، حتى يلقاهم هذا الصوت قائلا: {فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً}.
فلقد كذبكم آلهتكم، وتخلّوا عنكم، وذهب النصير الذي كان متعلقكم به.. وها هو ذا العذاب مقبل عليكم، وإنكم لا تستطيعون له صرفا، ولا تستطيعون أن تجدوا لكم ناصرا ينصركم من دون اللّه.. ثم لا ينتهى الموقف بهم عند هذا، فإنهم ما يكادون يستسلمون لليأس، ويعطون أيديهم لهذا العذاب في استسلام ذليل، حتى يلقاهم هذا الصوت بقوله: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً}.
إنه ليذكرهم بأنهم ليسوا في الآخرة، وإنما هم مازالوا في هذه الدنيا، وأن طريق الخلاص مفتوح أمامهم، إذا هم أرادوا أن يلتمسوا وجه النجاة من هذا العذاب الذي رأوه بأعينهم.. فليرجعوا إلى اللّه، وليأخذوا في غير هذا الحديث المنكر، الذي يقولونه في آيات اللّه، وفي رسوله اللّه.. فإنهم إن رجعوا إلى اللّه، وآمنوا باللّه وبآيات اللّه وبرسول اللّه، فقد نجوا بأنفسهم، وإلا فإن أمسكوا بما هم فيه من ظلم، فإن اللّه أعدّ للظالمين عذابا كبيرا.
واقرأ كلمات اللّه مرة أخرى، وانظر في هذا البيان المعجز.
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً}.
آمنت باللّه، وصدقت بكلمات اللّه، وبرسول اللّه.
ففى هذه الكلمات المعدودات ملحمة، لا يستطيع أن يمسك بها خيال، أو أن يضبط صورها ومشاهدها كل ما عرف الإنسان من ألوان التعبير، مجتمعة ومتفرقة.. إن ذلك لا يكون إلا بكلمات اللّه.. التي يخرج بها الحىّ من الميت، ويخرج الميت من الحىّ، ويحيى الأرض بعد موتها! قوله تعالى: {وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً}.
هذا التفات إلى النبيّ الكريم، وهو على مرأى ومسمع من قومه، وهم في حالهم تلك، التي صورتهم عليها الآيات السابقة، ودارت بهم تلك الدورة العجيبة، بين الدنيا والآخرة.
وهذا الحديث إلى النبي الكريم، هو حديث إلى قومه هؤلاء، وهو ردّ على قولهم: {مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق}.
وكأنه يقول لهم. هذا هو رسول اللّه إليكم، وإنه ليأكل الطعام ويمشى في الأسواق، شأنه في هذا شأن المرسلين من قبله جميعا.. فهل أنتم بعد هذا الذي رأيتم من مشاهد الآخرة- هل أنتم مؤمنون به على صفته تلك، أم لازلتم على ما أنتم عليه من إنكار له، وتكذيب به؟
وقوله تعالى: {وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ} هو توكيد لبشرية الرسل جميعا.. وأنه ما أرسل اللّه سبحانه وتعالى من رسل، إلا كانوا على تلك الصفة، وكان حالهم هو هذا الحال: {لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ}! أي يتعاملون مع الناس، بيعا وشراء، وأخذا وعطاء.
وقوله تعالى: {وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} إشارة إلى أن هؤلاء المشركين هم فتنة للنبىّ وللمؤمنين، وابتلاء من اللّه لهم بهم، وبما يسوقون إليهم، من مكر، وما يرمونهم به من أذى.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ} [112: الأنعام].
أما ما يذهب إليه معظم المفسّرين من إطلاق الآية على عمومها، وأن الناس جميعا- مؤمنهم وكافرهم- هم فتنة، يفتن بعضهم بعضا، فالكافرون يفتنون المؤمنين، والمؤمنون يفتنون الكافرون- فإنه مردود من أكثر من وجه.
فأولا: الفتنة، حيث لبست إنسانا كانت وبالا عليه، وعلى غيره.
وإذن فلن يكون المؤمن فتنة أبدا، لا لغيره، ولا للناس.. وقد كان من دعاء المؤمنين، ما جاء في قوله تعالى: {رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [5: الممتحنة].
وثانيا: توعّد اللّه سبحانه وتعالى، أهل الضلال، الذين يفتنون المؤمنين والمؤمنات بقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ} [10: البروج].
فكيف يكون المؤمنون على موقف كهذا؟
وثالثا: جاء تعقيبا على قوله تعالى: {وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً}.
قوله تعالى: {أتصبرون}.
وهو دعوة للنبى وللمؤمنين إلى الصبر على هذه الفتن التي يرميهم بها المشركون.. وهذا الاستفهام مراد به الأمر أي: اصبروا على ما تكرهون، مما يهبّ عليكم من ريح الفتن من أهل الضلال والشرك.
رابعا: جاء ختام الآية.. هكذا: {وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً} وفيه تطمين للنبى، وللمؤمنين، وربط على قلوبهم، حتى يصبروا على أذى المشركين، فاللّه سبحانه وتعالى بصير، عالم بما يحتملون من مكروه في سبيل الحق، وفي الثبات على الإيمان، وسيجزيهم عليه، كما أنه سبحانه، بصير عالم بما يعمل المشركون، وسيلقون جزاء ما يعملون: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [111: هود].